سأجيب خطأً عن كلّ الأسئلة | شعر

 

خوف

بي مرضٌ

لا أعرف كيف الشفاء منه

لقد أصابني منذ مات أبي

هوسٌ بمراقبة الوقت

وهو يضيع ثانيةً ثانيةً

أمام عينيّ

أنظر إلى وجهي

في المرآة

وأتخيّل التجاعيد

الّتي لا بدّ ستبدأ ذات يوم

أراقب جسدي عن كثبٍ:

أيّ جزءٍ سيتعطّل أوّلًا

في لقاء الّذين أحبّهم

أعجز عن الفرح الصافي

إذ أنشغل بالخوف من فقدانهم

أراقب الوقت

وبي قلقٌ من ندمٍ سيأتي

لأنّني لم أَمْضِه كما يجب

وغضبٌ من ذاكرتي

الّتي بدأت بالتصدّع

كحيطان بيتٍ قديم

كيف أتوقّف عن الهوس

بالكتب الّتي لم أقرأها بعد

والأفلام الّتي لم أشاهدها

والأماكن الّتي لم أزرها

بالأمس مشيت في البرّيّة

بين أشجار الصنوبر

وأزهار الأقحوان

وتأمّلت فراشةً خضراء

تدنو بحماسةٍ من العشب

ففكّرت بكلّ الوقت

الّذي أمضيته

بين الألمنيوم والزجاج

وآمنت بأنّي لو اقتربت من الأرض

لشعرت بالثبات كجذع شجرةٍ

ولو أمضيت يومي بين الزهور

لعادت الألوان إلى قلبي من جديد
 

اليوم أطلت النظر إلى السماء

وسألت:

كيف أوقِفُ أسفي المزمن

على ما مضى

ورغبتي بإعادة حياتي

من أوّلها؟


تعلّمت من التأمّل

أنّ النفَس هو الثابت الوحيد

فلم لا أتوقّف

عن محاولة تثبيت الوقت؟

لم لا أقلع عن مراقبة الموت

وهو يزحف بثباتٍ نحونا

جميعًا جميعًا

بينما ندّعي طيلة الوقت 

أنّه لن يصل أبدًا؟

 

لكنّ السماء

كما دومًا

لا تسمع

ولا تجيب

 

 

ارتباك

لا أحبّ الظهور أمام الكاميرات

وأرتجف كنصل عشبٍ صغيرٍ

لو اضطررت إلى التحدّث

أمام حشد

كما أنّ قلبي يطرق

كأنغام موسيقى التكنو

في لقاء الغرباء

قلقٌ لا يبارحني

ممّا يفكّر الآخرون بي

وفي رأسي قاضٍ قاسٍ

يحكم عليّ بجلد ذاتي

لأصغر الأسباب

أعود في ذاكرتي

إلى طفولة الطفولة

كما يوصي

علماء النفس

فأبحث عبثًا

عن اللعنة

لأتحرّر منها

أفكّر في أنّها

قد تكون الجينات

أو ربّما محض حدثٍ

محته ذاكرتي

لتحميني ممّا لا أدرك

أتخيّل

ارتباكًا سوف يصيبني

لو أنّني بعد موتي

لقيت ملاكين حقًّا

لا بدّ أنّني،

من فرط التوتّر،

سأجيب خطأً

عن كلّ الأسئلة

 

 

ليلة رأس السنة

أراقب طفلين
مذهولين من الألعاب الناريّة

وأفكّر

في أيّ لحظةٍ من عمرنا

نكفّ عن الدهشة؟

تقول الطفلة:

هذا أجمل يوم على الإطلاق

يقول الطفل:

ليت هذا يستمرّ إلى الأبد

فأحاول الذهول مثلهما


الموسيقى اللاتينيّة تعلو

فأنظر إلى أقدام الآخرين

وأرقص مثلهم

أحسّ بالنشوة

إذ أنتبه فجأةً

إلى أنّني لا أزال على قيد الحياة


أتذكّرك

فأشعر بأنّني أقلّ وحدةً

النبيذ يرفع الأثقال

عن قلبي

أرقص

للمرّة الأولى

من دون مبالاةٍ بشيءٍ أو أحد

الموسيقى تغسل روحي

من خطاياها

أقف أمام البحر

وأفكّر بالنظريّة الأكثر انتشارًا

في الأرض:

أنّ كلّ شيءٍ سيّئٌ

يحدث لسببٍ جيّد!

 

لكن ألسنا نتوهّم ذلك

كي لا نصاب بالجنون؟

ألّا تحدث الأشياء السيّئة

بعشوائيّةٍ تامّة؟

ولذلك

هل يجدي حقًّا

أن نفكّر بمسارات الحياة

واحتمالاتها؟

هل يجدي أن نفكّر

بأشياء أردناها ولم تحدث؟


أتعلّم من الفلسفة الرواقيّة

ألّا أمضي الوقت بالتفكير

في ما لا أستطيع تغييره

فأحاول ذلك

طيلة الوقت

أتذكّر نيتشه

قائلًا ماذا لو كانت حياتنا هذه

ستتكرّر هكذا بكلّ تفاصيلها

مرّةً بعد مرّة

إلى الأبد؟

فأفكّر في أنّني أودّ فقط

في ما تبقّى من الوقت

أن أكون أكثر طفولةً

فتذهلني الألوان والأضواء

والأصوات

فلا أفقد الدهشة

بملمس الشمس على الجلد

وبالرمل يتسرّب ناعمًا

بين الأصابع على الشاطئ

ألّا أملّ من تأمّل ألوان السماء

وأمواج البحر

وألّا أكفّ

عن انتظار اكتمال القمر

أن تبقى الموسيقى صديقتي

أينما حللت

أن أحبّ جسدي وقلبي سواسية

وأعلّمهما قياس المسافة

بين المتعة والألم
 

هل صدفةٌ

أن تخبرني أنّ الموت كالطيران

فأتذكّر الحلم

الّذي ركضتُ فيه

عبر زجاج الغرفة

وطرتُ؟

وكنتُ متأكّدةً

من أنّني أموت


عامٌ ينتهي

وآخرُ يبدأ

ولا شيء يتغيّر حقًّا

أعد نفسي

أن أكون يقظةً أكثر

فكم ضاع من الوقت

وأنا أهيم في نومي


أحبّ هيمنجواي

غير أنّ الرجل العجوز

تائهًا في البحر

أصابني بالاكتئاب

وحزنت على الطفل

ينتظر بقلقٍ

على الشاطئ


صباحٌ آخر يأتي

يليه ليلٌ

ولا شيء يحدث

فلتتخيّل معي الآن

عالمًا موازيًا

خاليًا من التراوما

ولنحيا فيه

يومًا كاملًا معًا

 


 

سمر عبد الجابر

 

 

شاعرة فلسطينيّة مهجّرة من حيفا، وُلِدَت في الكويت. نشرت قصائدها في ملحق «شباب السفير»، وأصدرت  أربعة دواوين: «وفي رواية أخرى» (2009)، «ماذا لو كنّا أشباحًا» (2013)، «كوكب منسيّ» (2015)، «Translucense - بين قارتين» (2018).